لا حراك ولا ثورة، بل المطلوب الفوضى (جيرار ديب)
newsare.net
أطلق المناضل الأرجنتيني، تشي غيفارا، عبارته الشهيرة، عندما كان يقود ثورته في وجه الامبريالية الأميركية بالقول: الثورة شيء تحمله في أعماقك، ولا حراك ولا ثورة، بل المطلوب الفوضى (جيرار ديب)
أطلق المناضل الأرجنتيني، تشي غيفارا، عبارته الشهيرة، عندما كان يقود ثورته في وجه الامبريالية الأميركية بالقول: الثورة شيء تحمله في أعماقك، وتموت من أجله... وليس بالشيء الذي تحمله في فمك، وتعيش على حسابه. إنطلقت في لبنان سلسلة تحركات، في ١٧ تشرين الأول الماضي، على خلفية قرار وزير الإتصالات يومها، محمد شقير، القاضي برفع تسعيرة الواتساب. عندها عمّت الإحتجاجات في بيروت، وطالبت بإسقاط حكومة سعد الحريري. لا بل، علّت الصوت أكثر، ونادت على صوت الموسيقى والرقص، بإسقاط العهد. هذه الإحتجاجات التي خرجت تحت عباءة المطالبة بالحقوق، سرعان ما تحولّت بعد أن دخلتها أحزاب السلطة، إلى مطالب سياسية. مطالب، تقاطعت فيها الحسابات الداخلية، واستغلتها القوى الخارجية لتحسين مطالبها، وفرض شروطها على لبنان. أمام هذه التحركات، التي لم تزل إلى اليوم، ورغم تفشي وباء كورونا المصنّف وباءًا عالميًا، وتحت أعباء الكلفة العالية لعلاجه، حيث أصبح يرهق ميزانية الدولة، لم يرتدّ المتحركون؛ بل استمرّوا، رغم خطورة هذه الجائحة في الضغط والتحرّك. ما يجعلنا نطرح السؤال: هل هي فعلَا تظاهرات مطلبية؟ أمّ إنها تحركات تخدم مصالح دول، لفرض التوطين، ولإضعاف موقف لبنان، لا سيما في استغلال ثروته النفطية؟ قد يكون لبعض المتحركين نوايا مطلبية حقيقية، ولكن الأكيد أنّ الأغلبية منهم مندسّون على المطالب. خصوصًا، وإنّ أحزاب السلطة، التي حكمت البلد على مدى سنوات، أصبحت اليوم في قلب الثورة، لا بل قائدة لها، وأبرز محركيها. كي نتحدث عن ثورةٍ وثوار، علينا أن نتوقف عند القضية المطالب بها، والأهداف المنوي تحقيقها. فالثورة، كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره، باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل. وهذا ما لا نراه في شارعنا اليوم، حيث لا رؤية للمتحركين، ولا أيديولوجية موحدّة يسعون إلى تحقيقها. أضف إلى ذلك، أن لا مطالب تجمعهم. فمن يتحرك في طرابلس، لا يشبه من يتحرك في جلّ الديب، ولا الجيةّ... . فهم أشبه بجماعات تتحرّك في توقيتٍ واحد، لأهداف مختلفة. إذًا، سقط عنها مفهوم الثورة كما عرّفها عراب الثورات الحديثة، تشي غيفارا. أما إذا كانت تحركات مطلبية، فتسمّى احتجاجات، إذ يعمل من خلالها المحتجون للضغط على السلطة القائمة كي تحدث التغيير. هذا ما كان يحصل في القرن الماضي في لبنان، تمامًا مرحلة ما بعد الاستقلال. على سبيل المثال لا الحصر، حين شهد الشارع في عام ١٩٤٥، إضرابًا عماليًا كبيرًا، نفذه عمال معمل الأصواف الوطنية، طالبوا فيه بزيادة الأجور والحصول على التعويضات العائلية وحق ترخيص نقابة لهم. ما يحصل اليوم في الشارع، تخطى حدود الإحجتاج والإعتصام والإضراب، فهو أشبه بفوضى، وبالطبع هو ليس بثورة. من يقرأ الأحداث، التي مرّ بها العهد، منذ تسلّم العماد عون كرسي الرئاسة، يدرك جيدّا الأهداف، المبطّنة الخفيّة، التي يتمّ التحرّك لأجلها. فالمطلوب، عرقلة العهد داخليًا، وإيقاف عجلة المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة؛ مستفيدين بذلك، من الضغوطات الأميركية والعربية، على لبنان. الخارج يريد التوطين، فصفقة القرن، يصرّ كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على تطبيقها. ويسابق الوقت، مع وجود عمّه على سدّة الرئاسة الأميركية. كما وإنّ ترسيم الحدود الإقليمية البحرية، هو الجشع الإسرائيلي في المياه الإقليمية عند البلوك ٩ لسرقة نفطه. هذا، ما دفع الرئيس عون لرفع السقف عاليًا في هذا الخصوص، بأنّ لبنان لن يفرّط بما هو حقّ له. إضافة إلى ذلك، هناك المطالبة الأميركية بتسليم سلاح حزب الله، لا سيّما وأنه يمتلك أعدادًا كبيرة من الصواريخ الثقيلة. تتقاطع الضغوطات الخارجية، مع التحركات الداخلية، والخطر الداهم بات قاب قوسين. الخارج يعمل جيدًا كيف يستغلّ الداخل، من خلال سياسات التجويع، عبر حرمان لبنان من عملته الأجنبية، الأمر الذي يؤدي الى انهيار العملة الوطنية، ما يسبب غلاء الأسعار، فيرزح المواطن تحت عتبة الفقر.أخيرًا، الجميع في لبنان بات يرزح تحت عبء الأزمة الإقتصادية، والإجتماعية. وعلى ما يبدو، ما ينتظر اللبنانيين في الأيام القادمة أصعب وأسوأ مما مرّ به البلد. لذا، المطلوب من الذين على الأرض، وكي يصبحوا حراكًا، أم ثوارً، الوقوف في وجه الضغوطات الخارجية، وإلى جانب الحكومة. لأنّ، أي خيار بالتصعيد، سيؤدي فورًا إلى نتائج لا تحمد عقباها، وسيغرق الجميع، وهم أولًا. لذا، في هذه المرحلة بالذات، تصويب البوصلة إلى برّ الأمان، بات أكثر من مطلبٍ للعهد وغيره، كي نصل إلى بناء الوطن. وما يحدث في الشارع، من مطالبةٍ بحقوقٍ محقّة، يجب تحويله إلى ثورةٍ حقيقية، تعرف كيف تدافع عن ثروات لبنان النفطية، التي عيّن العدو عليها، إن لم نحافظ عليها قد نخسرها كورقة خلاص للجميع. Read more