هل ينجو لبنان من تداعيات أحداث الساحل السوري؟
newsare.net
جورج شاهين - تمنّت مراجع ديبلوماسية وسياسية أن تكون أحداث الساحل السوري قد انتهت، وأن تنجح الجهود التي بذلتها اللجنة الأممية التي أجرت كشفاً عهل ينجو لبنان من تداعيات أحداث الساحل السوري؟
جورج شاهين - تمنّت مراجع ديبلوماسية وسياسية أن تكون أحداث الساحل السوري قد انتهت، وأن تنجح الجهود التي بذلتها اللجنة الأممية التي أجرت كشفاً على مسرح العمليات العسكرية بما رافقها من مكامن انقلابية استهدفت السلطة الأمنية الجديدة، وما رافقها ونتج منها من مجازر دفع ثمنها مئات المدنيِّين السوريِّين الأبرياء، فيما لم يظهر أنّ «لقاء عمان»، الذي جمع وزراء خارجية ودفاع دول الجوار ورؤساء أركان جيوشها قد انتهى إلى أي آلية يمكن أن تؤدّي إلى معالجة ما يجري وتطويقه لفتح صفحة جديدة. وعليه ما هو نصيب لبنان ممّا يجري؟ الساحل بقي من بين المناطق العاصية على السلطة السورية الجديدة، بعدما خفّض الروس من حضورهم فيه إلى أن انفجر في وجهها في انتظار أن تتكشف الحقائق المؤلمة التي أسفرت عنها أحداث الساحل السوري بأيامها الخمسة، التي انتهت إلى بحور من الدم أغرقت سكان محافظات اللاذقية وطرطوس وبانياس وأريافها بما لم تعِشه المنطقة على مدى السنوات الـ14، كتلك التي عاشتها سوريا منذ نشوب الحرب في آذار 2011 وما رافقها من عمليات كَرّ وفَرّ تبادلت فيها قوات النظام السوري السيطرة على معظم أراضيها ومجموعة المنظمات المختلفة التي بلغت مرحلة كان من الصعب إحصاؤها وحفظ أسمائها، وخصوصاً بعدما بدّلتها بين فترة وأخرى، قبل أن تتوحّد معظم قوى المعارضة في إطار العمليات المشتركة بقيادة أحمد الشرع الذي استولى على السلطة وأنهى نظام الأسدَين بعد 54 عاماً من حُكم البلاد. كان ذلك قائماً، قبل أن تتعرّض مهمّة الشرع الجديدة إلى هزّة عسكرية وأمنية كبيرة في الساحل السوري الغربي، وهو لم يمضِ في سيطرته على البلاد الأشهر الثلاثة، ولم يُشكّل جيشه النظامي الجديد الموحّد، إن احتُسِبت هذه المهلة منذ فرار الأسد في 8 كانون الأول الماضي وتفكّك الجيش السوري النظامي لمصلحة مجموعات مناطقية مسلحة تُحصى بالعشرات وتوزّعت بين أنحاء البلاد المختلفة. وعليه، لم يكن سهلاً السيطرة على مناطق النظام الواسعة بفعل التركيبة الديموغرافية والعشائرية المختلفة التي تتمايز بين جنوب البلاد وشمالها وغربها وشرقها، كما في وسطها، خصوصاً أنّ بعضها عاش منذ فترة نوعاً من الحُكم المحلي الذي سمح لها بإدارة ذاتية محدودة جداً وتحكمها فصائل كردية وسنّية ودرزية وأخرى مختلفة عقائدياً، لها توزّعها والولاءات السياسية، التي غالباً ما اتبعت سياسات دول الجوار السوري من تركيا إلى إيران و«حزب الله» من الجانب اللبناني، وهي قوى تحكّمت لفترة طويلة بمناطق عدة، باستثناء الساحل السوري الذي كانت تتحكّم به القوات الروسية منذ أن دخل الجيش الروسي المعركة خريف 2015 لإنقاذ المنطقة من سيطرة «داعش»، بعدما بلغت قواتها مياه البحر الأبيض المتوسط على الحدود السورية القريبة من تركيا بمئات الأمتار وباتت على مسافات محدودة هدّدت أكبر قاعدة روسية قائمة منذ أكثر من 50 عاماً في مدينة طرطوس قبل أن تُوسّع قاعدة حميميم الجوية. ولهذه الأسباب وغيرها تحوّل الساحل السوري، بحسب المراجع السياسية والعسكرية والديبلوماسية، إلى أصعب المناطق التي يمكن أن يُسيطر عليها النظام الجديد الذي تحكّم سريعاً بدمشق وبقية المحافظات، ولم ينجح في تطويع الساحل الذي تفلّت من أي سيطرة قوية وثابتة، بعدما خفّف الجيش الروسي من قوّاته، فاقتصر حضوره على سفن حربية صغيرة معدودة في قاعدة طرطوس البحرية، ومجموعة من طائراته الحربية التي لا تتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة في قاعدة حميميم الجوية ومحيطهما الآمن، في وقت لم يسلم هذا المحيط من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مناطق قريبة منهما تقع في نطاقهما الأمني الحيوي. وعليه، فقد كان سهلاً أن يجمع بعض ضباط الجيش السابق ومجموعات صغيرة عدداً من الجنود السابقين والمقاتلين الذين ضاقوا ذرعاً بإشكالات ومناكفات قامت بها مجموعات مسلحة سعت إلى استهداف ضباط أكثريّتهم من العلويِّين من الجيش السوري مُتهمين بارتكابات وفظائع إبّان الحرب، وهو ما سمح بتجميع قواهم للقيام بهجمات منظّمة ونصب مكامن استهدفت منتصف الأسبوع الماضي دوريات الأمن العام وقوى النظام الجديد، فقتلت العشرات منهم. ولما استُدعِيت قوات موالية لهم من إدلب ومناطق أخرى في البادية انتقلت معهم مجموعة من العصابات التي امتهنت قتل الأبرياء في منازلهم وسرقتها بما فيها من مفروشات وأدوات كهربائية، بعد قتل أصحابها من شيوخ ونساء وأطفال من دون أي تمييز وبدم بارد، ممّا رفع عدد الضحايا الأبرياء إلى أكثر من 1000، فيما يُورد إحصاء آخر أنّ عددهم تجاوز الآلاف السبعة. على هذه الخلفيات، رأت المراجع نفسها أنّ لبنان كان وسيبقى من أكثر المتأثرين سلباً بالأحداث الاخيرة. فسبيل الهاربين من جحيم الموت ليس أمامهم سوى المعابر غير الشرعية المؤدّية إلى لبنان، وهو ما كان مدار بحث في اجتماع عمان الاستثنائي الأحد الفائت، الذي جمع وزراء خارجية ودفاع ورؤساء أركان جيوش دول الجوار السوري الأردنية، العراقية، التركية، اللبنانية، والسورية، وخُصِّص للبحث في تطويق هذه الأحداث والتعاون لمعالجتها تمهيداً للانتقال إلى مرحلة من المصالحة السورية الشاملة. وبعدما عرض كل منهم رؤيته لما جرى في مناطق الساحل السوري والأسباب التي قادت إليه، لم يظهر أنّ هناك أي متضرّر في شكل مباشر سوى لبنان الذي تحوّل مخزناً للنازحين الجدد وهو لم يتخلص بعد من نتائج أولى الجولات الحربية. وكشفت مراجع شاركت في اللقاء، أنّه لم ينتهِ إلى أي مبادرة فاعلة ونهائية يمكن أن تُغيِّر مجرى الأحداث. فكل ما اتُفِق عليه هو أن يُنسِّق الأردن المواقف بين هذه الدول وجيوشها، على أن تخوض جميعها حملة ديبلوماسية لوقف المجازر وحفظ وحدة الأراضي السورية ومنع انتقالها من منطقة إلى أخرى. ولمّا لم ينتهِ اللقاء إلى أي آلية عملية محدّدة، عاد الوفد اللبناني من عمان قلقاً على المستقبل ومعلناً النفير بضرورة أن تضع القوى الدولية حداً لما يحصل وتحديد المسؤوليات. فلن يُصدّق أحد أنّ جميع الدول التي استنكرت ما حصل لا علاقة لها بما جرى من ارتكابات تهدّد وحدة سوريا وتزيد من مخاطر التوغل الإسرائيلي في جنوبها، وسط مخاوف من إيقاظ أي مشروع يؤدي إلى تقسيم البلاد، لتنعكس مظاهره على دول الجوار، وليس من مستهدف سوى لبنان إن بقِيت الأمور على غاربها بلا حسيب أو رقيب، ينهي ما حصل ويعالج تداعياته قبل انفلات الأمور إلى ما هو أعمّ وأشمل. Read more