توتر تحت سقف الانفجار..!
newsare.net
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة لبنان بات بلد الهواجس والمخاوف التي تتحكّم بجميع مكوناته. كل فريق هو أسير موروثات الماضي الذي يثقل ذاكرة أفرتوتر تحت سقف الانفجار..!
جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة لبنان بات بلد الهواجس والمخاوف التي تتحكّم بجميع مكوناته. كل فريق هو أسير موروثات الماضي الذي يثقل ذاكرة أفراده الجمعية. ومن هنا يمكن تفسير حال الاستنفار لدى هذا المكون أو ذاك، عندما تلوح الاستحقاقات الكبرى التي تحدّد معالم أي مرحلة يتعيّن على الوطن أن يجتازها أو يعبر إليها. الهواجس والمخاوف سكنت وجدان طوائف لبنان وقلوبها جميعها: المسيحيون ولا سيما منهم الموارنة، الدروز، السنّة، وكان الشعور الذي ولّدته عاملاً من عوامل عدم الاستقرار في لبنان، وباعثاً لحروب عبثية مدمّرة، أو على الأقل لتفلّت أمني لا يولّد إلّا الحذر والنفور. واليوم لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ الطائفة الشيعية تمرّ في وضع مشابه إلى حدّ كبير لوضع بقية الطوائف في حقب سابقة، لجهة ما يتملّكها من هواجس ومخاوف. بصريح العبارة، إنّ لبنان لا ثابت فيه إلاّ أنّه بلد ذو صيغة مركّبة، لا تسري عليها الحلول المبسطة، التي لا تأخذ في الاعتبار واقعه الجيو- سياسي، والسوسيولوجي، مما يضعه أمام الامتحان الصعب لدى كل منعطف مصيري. وفي مراجعة تاريخية للأحداث الكبرى التي عصفت بلبنان القديم والحديث، يتبين أنّ للخارج يداً في تزكيتها وتسعيرها: 1840, 1860, 1925, 1958/ 1975- 1990. كما كان للخارج أدوار مباشرة في إطفاء نارها. وإذا نظرنا إلى ما يجري حالياً، لما احتجنا إلى أدلة إضافية لتسليط الضوء على هذه الأدوار. ونظراً لاحتدام النزاع الإقليمي وانقسام المنطقة - وبطبيعة الحال لبنان - إلى محورين. ولا شك في أنّ المحور الأميركي- الإسرائيلي نجح إلى حدّ بعيد في تسديد ضربة موجعة جداً إلى محور الممانعة، الذي يعيش حالة من التضعضع والإرباك الشديدين، بعدما افتقد كثيراً من الأوراق والقدرة على استعادة المبادرة، كما كان شأنه قبيل «طوفان الأقصى». لكن لا بدّ من التنبّه إلى أنّ ثمة نقاط ضعف سيكون لها الأثر السلبي، إذا لم تعرف الحكومة التعاطي معها. ومن أبرز هذه النقاط، هو شعور طائفة لبنانية رئيسة بأنّها مستهدفة، وهي حتى إشعار آخر لم تخرج من عباءة «الثنائي» الذي لا يزال الطرف الأقوى فيها والمؤيد من المرجعيات الدينية. ومن يراجع تصريحات نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، يتبين له مقدار الشعور بالاستهداف والقلق الذي يستبدّ بالطائفة الشيعية، والاستنفار داخل قواعدها. وإنّ بيانات التأييد لقرار مجلس الوزراء الأخير الصادرة عن دول كبرى أجنبية وعربية وأحزاب وشخصيات لبنانية، هي على مقدار من الأهمية، ولكنها لا تقدّم حلا للمشكلة الحقيقية: ماذا لو أصرّ «الثنائي الشيعي» ولا سيما منه «حزب الله» على رفض قرار الحكومة الأخير؟ وهل يملك من بدائل؟ وماذا إذا أصرّت الحكومة على تنفيذ ورقة توم برّاك التي أقرّتها في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وهل تملك القدرة على التنفيذ ونزع سلاح الحزب عنوة من دون أن يكون لعملها هذا تداعيات على الوضع اللبناني الداخلي؟ ألارجح أنّ لبنان الرسمي إختار أن يبرئ ذمته تجاه الولايات المتحدة الأميركية، فأخذ بشروطها على رغم من معرفته بالصعوبات والمعوقات، فأصبحت البلاد أمام مشهدين: - سلطة تريد تغليب منطق الدولة بحصر السلاح بها. وكذلك قرار الحرب والسلم. - فريق له حضوره الوازن في السلطة، ويمثل طائفة لبنانية رئيسة يرفض هذا القرار. إذاً، الدولة تمسك بقرار الحصرية، و«الثنائي الشيعي» يتحصن برفض هذا القرار في ظل تواصل الاعتداءات الاسرائيلية، والمخاوف من تعرّض أبناء الطائفة لعمليات تماثل ما تعرّض لها الدروز، العلويون، المسيحيون وأبناء جلدتهم في سوريا أحمد الشرع. يعني أنّ لبنان حتى الساعة أمام الأفق المسدود، في انتظار حدث ما: - هل يكون هذا الحدث تطورات غير متوقعة على مستوى الملف النووي بين واشنطن وطهران؟ - هل عرقلة التجديد لقوات «اليونيفيل» مما يسهّل لإسرائيل القيام باجتياح ثالث للبنان يبلغ شمال الليطاني، على أن ينطلق هذا الاجتياح من الحدود الدولية في جنوب البلاد، والحدود الشرقية عبر الحدود السورية - اللبنانية، باتفاق ضمني أو على الأقل بغض نظر من الرئيس الانتقالي لسوريا أحمد الشرع، بعد التقدّم في الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين تل أبيب ودمشق برعاية من واشنطن؟ إنّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يدرك المخاطر التي تلوح في الأفق، ويتصرف بمقدار من العقلانية، وهو يرغب في إبقاء خطوط التواصل وخيوط الاتصال قائمة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يجتهد لتدوير الزوايا، وإيجاد المخارج التي تتوافق مع سياسة الدولة الرامية إلى بسط سلطتها بقواها الذاتية، والحريصة على حصرية السلاح بيدها، ومقتضيات طمأنة الحزب وجمهوره والطائفة الشيعية وتقديم الضمانات الفعلية بجلاء الاحتلال ووقف الاعتداءات وعمليات الاغتيال اليومية، وإطلاق الاسرى، والبدء بالإعمار. كذلك، لم يقطع الرئيس عون الجسور مع قيادة «حزب الله»، باعتباره قوة سياسية كبيرة ممثلة في المجلس النيابي والحكومة، وهو بالتالي قوة وازنة ورئيسة في طائفته الكبرى. وفي نهاية المطاف، إن قرّرت الحكومة اللبنانية - بصرف النظر عن أي توصيف لهذا القرار لدى مؤيديه أو معارضيه- وإن عارض الثنائي الشيعي بالتكافل والتضامن هذا القرار، فلا خروج من دائرة المراوحة قبل أن تُطلق صافرة الخارج التي ستقرّر إبقاء لبنان ملعباً ومسرحاً لنزاعات المحورين: الأميركي والممانع، أو إخراجه من حلبة النزاع. أشهرٌ قليلة، لكنها صعبة ومقلقة، ويتضح فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود. الله يلطف. Read more