لبنان وخطة ترامب: الانقسام كتهديد للفرص التاريخية!
newsare.net
أنطوان الأسمر- تطرح الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة مروحة واسعة من التداعيات التي لا تقف عند حدود القطاع، بل تتجالبنان وخطة ترامب: الانقسام كتهديد للفرص التاريخية!
أنطوان الأسمر- تطرح الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة مروحة واسعة من التداعيات التي لا تقف عند حدود القطاع، بل تتجاوزها لتلامس لبنان بشكل مباشر. فالخطة، إن بدت للوهلة الأولى مبادرة لإطفاء حريق غزة عبر وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحاب إسرائيلي تدريجي بإشراف دولي، هي في العمق تحمل محاولة لإعادة رسم التوازنات السياسية والأمنية في المشرق العربي برمّته.لبنان، المنهك اقتصاديًا والممزّق سياسيًا، يجد نفسه في قلب هذا التحول. فبعد سنوات من اشتباك مفتوح مع إسرائيل بالوكالة عبر حزب الله، ومعركة إقليمية عنيفة انتهت بتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، برزت نافذة نادرة يمكن أن تغيّر موقعه في الخريطة الإقليمية. فالمعادلة التي كانت ترتكز على التحالف الوثيق بين إيران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق تعرضت إلى اهتزاز عميق بعد الخسائر الميدانية والعقوبات والضربات العسكرية، وهو ما جعل الحاضنة الاستراتيجية التي اعتمد عليها حزب الله تتآكل تدريجيًا.من هنا تكتسب خطة ترامب معنى مضاعفًا بالنسبة إلى لبنان. فهي لا تعالج فقط مسألة غزة، بل تفتح الباب أمام مسار تطبيع إقليمي يشمل دولًا محورية كسوريا والعراق والسعودية، مما يعني أن لبنان لن يكون قادرًا على البقاء خارج هذا السياق من دون أن يدفع ثمنًا باهظًا من عزلته الاقتصادية والسياسية. ومع ذلك، يفرض الدخول في هذا المسار معالجة عقدة أساسية: سلاح حزب الله.هذا السلاح، الذي يُقدَّم محليًا باعتباره عنصر قوة وردع، يتحوّل في اللحظة الراهنة إلى قيد على أي تسوية أو إعادة تموضع استراتيجي. فالمجتمع الدولي، ومعه عواصم عربية مؤثرة، يرى أن لا معنى لأي انفتاح أو دعم للبنان ما لم يجرِ وضع آلية جديّة لحصر السلاح بيد الدولة. غير أن معالجة هذه القضية ليست أمرًا يمكن فرضه بقرار خارجي فحسب، بل يحتاج إلى تفاهم داخلي عميق يُخرج السلاح من كونه أداة صراع إقليمي إلى كونه قضية لبنانية خالصة تتعلق بمستقبل الدولة نفسها.اقتصاديًا، يضع لبنان رهانات كبرى على أي مسار تطبيع إقليمي. فالبلد الذي يعيش انهيارًا ماليًا غير مسبوق يحتاج إلى إعادة إدماجه في الدورة الاقتصادية العربية والدولية. إذا ما تبلورت تفاهمات إقليمية على قاعدة خطة ترامب، قد تُفتح مجددًا أبواب الاستثمار والمساعدات، خصوصًا أن قطاعات مثل الطاقة والبنى التحتية والاتصالات يمكن أن تستفيد من مشاريع إقليمية عابرة للحدود. وهذا ما يفسّر اهتمام بعض القوى السياسية بقراءة الخطة لا من زاوية الصراع مع إسرائيل فقط، بل من منظور الفرصة الاقتصادية التي قد تنتج عنها.لكن معضلة لبنان الدائمة تكمن في هشاشة بنيته الداخلية. التجربة أظهرت أن الانقسامات الطائفية والحزبية غالبًا ما تطيح بأي فرصة إصلاحية أو استراتيجية. فكل خطوة نحو تسوية كبرى تتحوّل إلى مادة انقسامية بين من يعتبرها تنازلًا مرفوضًا ومن يراها نافذة نجاة. في هذا الإطار، يكمن التحدي الأكبر ليس في ما تطرحه الخطة الأميركية بحد ذاتها، بل في قدرة اللبنانيين على تحويلها إلى فرصة بدل أن تصبح سببًا لصراع داخلي جديد.قد يلعب العامل الإقليمي دورًا حاسمًا. فمع تضاؤل النفوذ الإيراني وتغيّر أولويات العواصم الغربية، تجد القوى اللبنانية نفسها مضطرة إلى إعادة التموضع. لم يعد ممكنًا التعويل على استمرار الاصطفاف ذاته، ولا على الحماية التي وفّرها محور المقاومة في السابق. وفي المقابل، يضع التقارب العربي–الإسرائيلي الجاري برعاية أميركية لبنان أمام سؤال وجودي: هل يظل أسير معادلة السلاح والمواجهة المفتوحة، أم ينخرط في عملية إعادة تعريف لموقعه كدولة قادرة على التكيّف مع المتغيرات؟في أي حال، لا يعني النظر إلى خطة ترامب كفرصة، التغاضي عن تعقيداتها. فهي مشروع سلام مشروط بتنازلات قاسية، بعضها قد يتصل بملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبعضها الآخر يرتبط بترتيبات أمنية مع إسرائيل قد يراها جزء كبير من اللبنانيين مساسًا بالسيادة. غير أن البديل عن التعامل مع هذه الخطة هو استمرار العزلة والانهيار، وربما زوال ما تبقّى من مقومات الدولة.في المحصّلة، قد تكون خطة ترامب بالنسبة إلى لبنان لحظة فارقة شبيهة بلحظات تاريخية مرّ بها في محطات كبرى، من اتفاق الطائف إلى انسحاب الجيش السوري. هي مناسبة لإعادة صوغ العقد الاجتماعي والسياسي على أسس جديدة، شرط أن تتوافر إرادة سياسية صلبة وقيادة تملك الجرأة على اتخاذ قرارات صعبة. فإذا نجح لبنان في اغتنام هذه اللحظة، فقد يستعيد دوره كجسر حضاري واقتصادي بين الشرق والغرب. أما إذا ضيّعها، فلن تكون النتيجة سوى تعميق أزماته وانكفائه أكثر فأكثر عن محيطه العربي والدولي. Read more