المصارف تستغل الفراغ: أرباح جديدة من فروقات الفائدة
newsare.net
علي نور الدين- المدنما زال الرأي العام في لبنان ينتظر طرح مشروع قانون الفجوة الماليّة، على طاولة مجلس الوزراء، لتلمّس المقاربات التي سيتم اعتالمصارف تستغل الفراغ: أرباح جديدة من فروقات الفائدة
علي نور الدين- المدنما زال الرأي العام في لبنان ينتظر طرح مشروع قانون الفجوة الماليّة، على طاولة مجلس الوزراء، لتلمّس المقاربات التي سيتم اعتمادها لتوزيع خسائر الأزمة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي. وحتّى هذه اللحظة، ما زالت المسودّة تخضع لتعديلات متتابعة، على وقع المحادثات الجارية ما بين مصرف لبنان ووزارة الماليّة ووزارة الاقتصاد والتجارة، فيما تواظب جمعيّة المصارف على التفاوض من خلال مستشارها التقني، شركة أنكورة. وآخر المعلومات التي تسرّبت، حول هذا المسار، أفادت بأنّ صندوق النقد تلقّى -هذا الأسبوع- آخر المسودّات التي جرى إعدادها خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فيما دعت جمعيّة المصارف مجلس إدارتها إلى اجتماعٍ طارئ اليوم الخميس لمناقشة عدّة ملفات، أحدها مشروع قانون الفجوة الماليّة.غير أنّ الفترة الماضية كشفت كذلك عن بعض المعطيات الجديدة، التي تدل على «كلفة الوقت الضائع»، وتحديداً: كلفة المراوحة طوال ستّ سنوات من الأزمة، من دون إخضاع المصارف لعمليّة إعادة هيكلة جديّة وشاملة. وعلى نحوٍ أدق، بينت الأرقام كيف أنّ المصارف ما زالت حتّى هذه اللحظة تُهندس الانهيار نفسه، لمصلحة أصحابها، بدل أن يسير القطاع وفق خريطة طريق قانونيّة تُرسم على أساس خطّة تعافي متكاملة. ومن هذه المعطيات مثلاً، تلك المتعلّقة بالإيرادات التي تجنيها المصارف حالياً، بفعل اتساع الفارق ما بين الفائدة التي تدفعها للمودعين، وتلك التي تجنيها من القروض «الجديدة». اتّساع الإيرادات بهذه الطريقة، جرى بأدوات جائرة، وباستغلال الأزمة نفسها.ما يعنينا من المعطيات حالياً، هو الالتفات إلى خطورة البقاء في الوضع الراهن، تماماً كما جرى عام 2020، حين تمّت الإطاحة بخطّة التعافي، وبمسار إعادة هيكلة القطاع، بدلاً من مناقشة الخطّة وتطويرها ومعالجة ثغراتها.تحوّلات في معدلات الفوائدأظهرت أرقام مصرف لبنان مؤخراً أن متوسّط الفائدة التي تدفعها المصارف حالياً، للمودعين بالدولار، تدنّى إلى قرابة 0.06%، بحلول أواخر شهر تشرين الأوّل الماضي. مع العلم أنّ هذه النسبة كانت تتجاوز حدود الـ 6.61%، في شهر تشرين الأوّل من العام 2019، أي قبيل حصول الانهيار المصرفي، وقبل امتناع المصارف عن تأمين السحوبات والتحويلات للمودعين. أمّا متوسّط الفوائد المدفوعة للمودعين بالليرة، فتدنّى أيضاً إلى 2.91% في أواخر تشرين الأوّل 2025، مقارنة بأكثر من 9.4% في تشرين الأوّل 2019.بطبيعة الحال، لا يحتاج المرء إلى كثير من التحليل ليفهم الأسباب التي سمحت للمصارف بتخفيض كلفة الفوائد التي تدفعها للمودعين. فقبيل حصول الأزمة، كانت المصارف منخرطة في أشكال مختلفة من الهندسات الماليّة مع مصرف لبنان. وهذا ما دفعها إلى محاولة «إغواء» المودعين بمعدلات فائدة مرتفعة، لاستقطاب أموالهم، ثم توظيفها في المصرف المركزي، مقابل ربح سخيّ دفعه مصرف لبنان واستفاد أصحاب المصارف لتعويم أموالهم الخاصّة في القطاع. أمّا بعد حصول الأزمة، فلم يعد هذا الدافع موجوداً، بعدما انكشف ما سمّاه البنك الدولي «النموذج الاحتيالي»، أو نموذج «البونزي». مع الإشارة إلى الفوائد التي استفاد منها المودعون سابقاً، ظلّت عالقة إلى جانب الودائع نفسها.لكنّ ثمّة تطوّر خطير يجب الالتفات إليه هنا. فبحلول تشرين الأوّل 2025، كان متوسّط الفوائد التي تجنيه المصارف من التسليفات بالليرة اللبنانيّة قد ارتفع إلى 9.24%، مقارنة بـ 6.78% فقط خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. كما ارتفع هذا المتوسّط بالنسبة للتسليفات بالدولار إلى 4.23% خلال تشرين الأوّل الماضي، مقارنة بـ 1.97% خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. باختصار، ارتفعت نسبة إيرادات الفوائد لدى المصارف بنسبة 36.2% بالليرة، وبنسبة 115% بالدولار الأميركي.بهذا الشكل، تكون المصارف قد خفّضت كلفة الفوائد المدفوعة للمودعين، ورفعت إيرادات الفوائد المقبوضة من المقترضين، خلال الفترة نفسها. وقد يظنّ البعض أنّ المصارف ممتنعة عن تقديم القروض حالياً، بسبب أزمة السيولة التي تمرّ بها، لكن ذلك غير صحيح على الإطلاق. فخلال العام الحالي، منحت المصارف ما يقارب الـ 500 مليون دولار أميركي من القروض الجديدة، بالدولار والليرة «الفريش»، باستخدام ما تبقى من سيولة في القطاع. وبما أنّ السوق تعاني من عطش شديد لهذا النوع من القروض حالياً، كان بإمكان المصارف مضاعفة إيراداتها برفع الفوائد بهذا الشكل، باستغلال محدوديّة العرض وارتفاع الطلب.فروقات الفوائدفي الميزانيّات المصرفيّة، عادةً ما يُرصد مؤشّر «متوسّط الفارق في نسبة الفائدة»، لمعرفة ربحيّة المصارف من فروقات الفوائد الدائنة والمدينة. بعد التطوّرات الأخيرة، ارتفع هذا المؤشّر إلى 4.3% للدولار الأميركي، و5.63% لليرة اللبنانيّة، بحلول تشرين الأوّل الماضي، مقارنة بـ 2.21% للدولار الأميركي و2.98% لليرة اللبنانيّة خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. ومن المهم الإشارة إلى أنّ هذا المؤشّر لم يكن يتخطّى قبل الأزمة 1.8% بالنسبة لليرة اللبنانيّة، ما يعني أن فروقات نسبة الفائدة باتت أعلى حالياً من مستوياتها قبل الأزمة، بالنسبة للتسليفات بالليرة والدولار.في النتيجة، يمكن القول أنّ كل ما فعلته المصارف مؤخراً، لزيادة ربحيّتها على حساب المودعين، كان بفعل الأزمة وجرّاء ما فرضته من قرارات قسريّة، بغياب مسار إعادة الهيكلة الذي كان يفترض أن يحدد آليّة توزيع الخسائر بشكلٍ شفّاف وعادل. وهذا بالتحديد ما يعيد تسليط الضوء على الدور الذي سيلعبه قانون الفجوة الماليّة، بعد مناقشته في الحكومة والبرلمان، لجهة إكمال الإطار التشريعي المطلوب للخروج من الأزمة الحاليّة. Read more














