كيف كسرت وول ستريت «معضلة سبتمبر»؟
newsare.net
تجاوزت أسواق الأسهم الأميركية واحدة من أكثر العقد التاريخية ارتباطاً بها، إذ نجحت في تحقيق مكاسب خلال سبتمبر، وهو الشهر الذي لطالما ارتبط فيكيف كسرت وول ستريت «معضلة سبتمبر»؟
تجاوزت أسواق الأسهم الأميركية واحدة من أكثر العقد التاريخية ارتباطاً بها، إذ نجحت في تحقيق مكاسب خلال سبتمبر، وهو الشهر الذي لطالما ارتبط في ذاكرة المستثمرين بالضعف والتقلبات الحادة. عكست المؤشرات الأميركية في مسارها الأخير حالة من الزخم الاستثنائي، مدفوعة بمزيج من السياسات النقدية والعوامل الاقتصادية والتكنولوجية التي غيرت من طبيعة التداول وأعادت رسم خريطة الفرص والمخاطر في السوق. خلال سبتمبر ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (الذي انخفض بمعدل 4.2 بالمئة خلال الشهر على مدار السنوات الخمس الماضية)، بأكثر من 3 بالمئة. كما حقق مؤشر داو جونز مكاسب تقارب 2 بالمئة. وتفوق مؤشر ناسداك على منافسيه محققًا مكاسب بنسبة 5.6 بالمئة في سبتمبر. وفيما يخص أداء السوق خلال الربع الثالث، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة تقارب 8 بالمئة حتى تاريخه، كما حقق مؤشر ناسداك، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، مكاسب ربع سنوية تجاوزت 11 بالمئة. وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 5 بالمئة منذ نهاية يونيو، مسجلاً بذلك رابع ربع إيجابي له من بين الأرباع الخمسة الماضية، بحسب شبكة «سي إن بي سي» الأميركية. كسر عقدة سبتمبر من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية»: شهر سبتمبر 2025 كان استثنائيًا بكل المقاييس في وول ستريت، حيث نجحت السوق في كسر القاعدة التاريخية المعروفة بـ«عقدة سبتمبر»، التي جعلته تاريخياً أسوأ الشهور أداءً للأسهم الأميركية. الأداء القوي والمكاسب الملحوظة لم تكن محض صدفة، بل جاءت نتيجة تضافر مجموعة من العوامل التي عززت ثقة المستثمرين ودعمت المؤشرات. قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى في عام 2025 بواقع ربع نقطة مئوية، لتتراوح بين 4 بالمئة و4.25 بالمئة، كان المحفز الأكبر للسوق، حيث خفف من الضغوط وأعطى إشارة قوية على اقتراب نهاية دورة التشديد النقدي. هذا القرار -بحسب سعيد - شجع المستثمرين على الإقبال بشكل أكبر على الأصول ذات المخاطر وفي مقدمتها الأسهم. ويشير إلى أن قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كان المحرك الرئيسي للنمو، إذ قادت أسهم الشركات الكبرى المكاسب مستفيدة من توقعات قوية بنمو الأرباح ونتائج فاقت التقديرات، ما دفع مؤشرات رئيسية مثل ستاندرد آند بورز وناسداك لتحقيق مكاسب أسبوعية وشهرية بارزة. ويلفت خبير أسواق المال إلى أن صدور بيانات اقتصادية مطمئنة وعلى رأسها بيانات التضخم التي جاءت متوافقة مع التوقعات، ساعد في تهدئة المخاوف بشأن الاقتصاد الأميركي، ورسخ قناعة بأن المسار الأقرب هو «الهبوط الناعم» بعيدًا عن الركود الحاد. كما أن نتائج الأعمال جاءت أفضل من المتوقع، مع قيام بعض المؤسسات المالية برفع توقعاتها لأرباح الشركات، وهو أمر غير معتاد في مثل هذا التوقيت ويعكس الثقة في متانة الاقتصاد. ويختتم سعيد تصريحه بالقول إن السوق استفادت من الزخم الإيجابي الممتد من الربع الأخير، وتجاهل في المقابل بعض المخاطر مثل احتمال الإغلاق الحكومي أو التوترات الجيوسياسية. ويضيف: «مجمل هذه العوامل صنعت بيئة مثالية سمحت لوول ستريت بتحقيق أداء تاريخي في سبتمبر 2025، لتتجاوز الأسواق سمعة هذا الشهر السيئة وتفتح الباب أمام مرحلة أكثر تفاؤلاً». عدم ثقة يقول المدير التنفيذي لشركة V I Markets، أحمد معطي، لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية» «المكاسب التي حققتها وول ستريت خلال الفترة الأخيرة تعود في معظمها إلى عوامل نفسية مرتبطة بعدم الثقة في المشاريع الإنتاجية، حيث يتجه الأفراد وصناديق الاستثمار ورجال الأعمال لضخ السيولة في البورصة بدلاً من توجيهها نحو الاستثمار الصناعي أو إنشاء المشاريع». «هذا الارتفاع في أسواق الأسهم لا يُعد إيجابياً في الوقت الحالي، لأنه يعكس غياب التوجه نحو دعم الاقتصاد الحقيقي، خاصة في ظل مساعي الإدارة الأميركية الحالية لإعادة إحياء الصناعات المحلية». «رغم أن الأسواق تمرّ بمرحلة يُفترض أن تشهد عملية تصحيح سعري، نظراً لأن معظم الأسهم تتداول عند مستويات أعلى من قيمها الحقيقية بأضعاف، إلا أن استمرار ضخ السيولة من قبل المستثمرين والحكومة الأميركية عبر طباعة الأموال يدفع المؤشرات للصعود». ويؤكد معطي أن المشكلة تكمن في أن هذه السيولة لا تتوجه إلى قطاع الإنتاج، بل إلى الأسواق المالية، وهو ما يفاقم من الفجوة بين أداء الاقتصاد الحقيقي وأداء أسواق المال.. كذلك فإن التراجع في قيمة الدولار عزز من توجه المستثمرين نحو الأصول الأخرى مثل الذهب والفضة والأسهم، إلى جانب استمرار المشتريات الأجنبية، وهو ما يضيف زخماً إضافياً لحركة الصعود الراهنة«. وفيما يتعلق بعامل فقدان الثقة الذي أشار إليه »معطي«، انخفضت ثقة المستهلك في سبتمبر قبل انقطاع البيانات المتوقع بسبب الإغلاق الحكومي. سجل مؤشر ثقة المستهلك الرئيسي قراءةً بلغت 94.2 نقطة، بانخفاض 3.6 نقطة عن قراءة أغسطس، وأقل من توقعات داو جونز البالغة 96.0 نقطة. وتُعدّ هذه القراءة الأدنى منذ أبريل، وتأتي مع إغلاق العمليات الحكومية غير الأساسية. قلق مُبرر ووفق تقرير لصحيفة »وول ستريت جورنال« فإن: أسعار الأسهم وصلت إلى مستويات قياسية، بينما أسعار الفائدة في انخفاض، ونمو الأرباح لا يزال قوياً، لكن المكاسب بلغت حداً دفع البعض إلى القلق من أنها مبالغ فيها. ويضيف: »يُعد شهر أكتوبر عادةً شهراً صعباً على أسواق الأسهم، ويرى العديد من المستثمرين علامات ارتفاع حاد في الأسعار«. كما يبرز التقرير المخاوف المرتبطة بكون ارتفاع أسعار الأسهم إلى مستويات قياسية »قد تجاوز التقييمات«، وهو ما كان قد ألمح له رئيس الفيدرالي جيروم باول عندما تحدث عن التقييمات المرتفعة. ويلفت التقرير إلى ظاهرة التركيز في الذكاء الاصطناعي، باعتبار أن الشركات التقنية السبع الكبرى (ألفابيت وأماوزن وأبل وميتا ومايكروسوفت وإنفيديا وتسلا) شكلت مؤخرًا حوالي 37 بالمئة من القيمة السوقية لمؤشر S&P 500، وهي أعلى حصة على الإطلاق. الذكاء الاصطناعي من جانبه، يوضح رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق لموقع »اقتصاد سكاي نيوز عربية« أن: »الشهر الأخيرة كان أفضل شهر سبتمبر للأسواق منذ 15 عاماً، رغم أنه تاريخياً يعد من الأشهر الضعيفة عادة، حيث يتزامن مع عودة المستثمرين المؤسساتيين وإعادة هيكلة المحافظ الاستثمارية«. شهرا سبتمبر وأكتوبر اعتادا أن يشهدا تراجعات وتقلبات، إلا أن هذا العام جاء سبتمبر استثنائياً بفضل السياسات النقدية للفيدرالي الأميركي. ويؤكد يرق أن الاستثمار الضخم في قطاع الذكاء الاصطناعي كان عاملاً رئيسياً في هذا الزخم، إذ ما زالت هذه الفورة مستمرة وتدفع بالشركات الأميركية نحو الابتكار والأداء القوي. فقد أعلنت »OpenAI« عن استثمارات بقيمة 100 مليار دولار بدعم من »إنفيديا«، كما قامت إنفيديا بشراء حصة في »إنتل«، وهو ما يعكس التوسع غير المسبوق في هذا القطاع. ويضيف أن التدفقات الأجنبية شكلت دعماً إضافياً للأسواق، خاصة مع تراجع حدة التوترات الجيوسياسية، الأمر الذي وفر بيئة أكثر استقراراً للاستثمار. ويتابع: »كل هذه العوامل مجتمعة أسهمت في جعل سبتمبر 2025 استثناءً تاريخياً في أداء الأسواق الأميركية«، موضحاً أن »المزج بين السياسة النقدية الداعمة والتوسع في الاستثمار التكنولوجي يضع الأسواق الأميركية على مسار قوي خلال المرحلة المقبلة". Read more