newsare.net
جبران باسيل المسيحيّ-اللبنانيّ المشرقيّ العربيّ أيقظ العرب والمسلمين بخطاب تاريخيّبقلم جورج عبيد ليس مستغرَبًا أن يعلو جبران باسيل إلى القدجبران باسيل المسيحيّ-اللبنانيّ المشرقيّ العربيّ أيقظ العرب والمسلمين بخطاب تاريخيّ
جبران باسيل المسيحيّ-اللبنانيّ المشرقيّ العربيّ أيقظ العرب والمسلمين بخطاب تاريخيّبقلم جورج عبيد ليس مستغرَبًا أن يعلو جبران باسيل إلى القدس حاملاً بكلماته في جامعة الأمم المتحدة موقف لبنان. مسيحيو المشرق يجيئون من القدس جذرًا وإيمانًا وهي معبرهم إلى السماء. لن ينسى التاريخ العربيّ المعاصر والحديث بأنّ كبارًا منهم اعتلوا المنابر الدوليّة والعربيّة والإسلاميّة وحملوا فلسطين بعقولهم وأفئدتهم بدءًا من شارل مالك إلى كميل شمعون وقد سمي قتى العروبة الأغرّ إلى حميد فرنجيّة إلى شقيقه سليمان فرنجيّة في الأمم المتحدة إلى البطريرك الياس الرابع خلال القمّة الإسلامية في لاهور وهو أكثر من حمل القدس إلى المسلمين إلى غسان تويني إلى البطريرك إغناطيوس الرابع إلى المطران جورج خضر... ويوم السبت الفائت أكمّل جبران باسيل هذه المسيرة بكلمة اعتبرت تاريخيّة واسثنائيّة، فحملت في طياتها هذا الزخم المسيحيّ المشرقيّ وحرّك بكلماته ضمائر الشعوب حيث قال: « نحن هنا، لأن عروبتنا لا تتنازل عن القدس، ونحن في لبنان لا نتهرب من قدرنا في المواجهة والمقاومة حتى الشهادة، نحن من هويّة القدس لا نعيش إلاّ أحرارًا وننتفض بوجه كلّ غاصب ومحتلّ، أرادتنا غولدا مائير عام 69 عند إحراق الأقصى أمّة نائمة، وحوّلنا أنفسنا إلى أمّة فاشلة، وأرادنا البعض الآخر أمّة غائبة ومتلاشية ومنعدمة، وذلك لإنعدام الرؤية الواحدة بيننا وغياب إيديولوجيا منفتحة تجمعنا. غفوة نحن لا نرضاها بل نوقظها بلبنانيّة فريدة ونربطها بمشرقية واسعة، تتطلّع إلى عروبة متوقدّة ومتطورة. نحن من هوية القدس كرامتنا لا تمسّ وهويتنا لا تخطف، بل تعود لتتحرّر فتنطلق من لبنانيتها إلى مشرقيتها إلى عروبتها.» وزبدة القول وجوهره في كلام جبران: «نحن هنا لنستعيد عروبتنا الضالّة ما بين سنّة وشيعة، والمهدورة بين شرق وغرب، والمنتهية بصراع عربيّ-فارسيّ، والمدفوعة وهمًا إلى تخويف إسلاميّ-مسيحيّ متبادل».بهذه الزبدة الجوهريّة إذا جاز التعبير وضع وزير الخارجية إصبعه على الجرح، وقد أكّد بكلامه ما جاء في مقدّمة الرئيس حسين الحسيني في كتاب «قراءة في فكر المطران جورج خضر»، لكاتب هذه السطور، حيث كتب: «...تتأسّس الهوية (اللبنانيّة) على التزاوج الموضوعيّ بين اللبنانيّة كهويّة ذاتيّة والعروبة كهويّة جامعة... ولا معنى للعروبة إذا انعدم المثال اللبناني (الميثاقيّ). والواقع إنّ التجربة اللبنانيّة، في المستوى الحضاريّ، قد تعدّت ظروف إنشاء الكيان اللبنانيّ، بدليل أنّ المجتمع اللبنانيّ كان أكثر المجتمعات العربيّة حيويّة في الدفاع عن فكرة العروبة، وفي إفساح المجال أمام التيارات الشعبيّة المتصلة بقضايا العرب.» جبران باسيل أكمل هذا الكلام بقوله: «أنا اليوم، أنا المسيحيّ بالإيمان، اللبنانيّ بالهويّة، المشرقيّ بالانتماء، والعربيّ بالهويّة والانتماء بالجامعة، أقف أمامكم وأدعوكم إلى المصالحة العربيّة-العربيّة سبيلاً وحيدًا لخلاص هذه الأمّة ولاستعادة ذاتها، حتى نكون رزمة متراصّة لا يستطيع أحد أن يكسرها أو يلويها.» بهاء الفرادة اللبنانيّة المتجلّي بكلام جبران باسيل، من شأنه لمن قرأ بعمق أن يعيده إلى قراءة أبداها مؤسس وكاتب الدستور اللبنانيّ سنة 1926 ميشال شيحا الكلدانيّ المذهب، حيث رأى الخطورة الصهيونيّة تحوم في الآفاق قبل 22 سنة من نكبة فلسطين، في فضاء فلسطيبن وستلقي بثقلها على لبنان، فرأى بأن السبيل الوحيد لمواجهة ما يحاك صيغة ميثاقية تجمع المسيحيين والمسلمين في جوهر وطنيّ واحد وفي عقد سياسيّ واجتماعيّ واحد، ضمن هوية ذاتية واحدة أي الهوية اللبنانية، وعربية وهي الهوية الواسعة. وقبل النكبة بسنة كتب الدكتور شارل مالك إلى الرئيس بشارة الخوري والحكومة اللبنانية ما يلي: «إني أرى في الأفق حربًا إسرائيليّة على فلسطين، فإذا لم ينتصر العرب فيها خلال سبعة أيّام فستدوم سبعة أسابيع وإذا لم ينتصروا خلال سبعة أسابيع فستدوم سبعة أشهر، وإذا لم ينتصروا خلال سبعة أشهر فستدوم سبع سنوات وإذا لم ينتصروا خلال سبع سنوات فستدوم سبعين سنة...» وستدخل القضية الفلسطينيّة في سنة 2018 عامها السبعين. فهل في السنة السبعين المطلّة على القضيّة الفلسطينيّة تصفّى القضيّة الفلسطينيّة بالقرار الأميركيّ الجائر المتخذ من قبل الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، أو أننا قد بلغنا بداية نهاية إسرائيل كما أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فنستعيد فلسطين والقدس عاصمتها؟ فيكون هذا صدى لما قاله الرئيس فارس الخوري الزعيم السوريّ-اللبنانيّ والعربيّ، حين قال: «قضيّة فلسطين لا تحلّ إلاّ في سهولها وروابيها، في جبيالها ووديانها في ينابيعها وشاطئها». فلسطين تحلّ في فلسطين وليس في مكان أو من مكان آخر. وقد أعادنا خطاب أمين عام حزب الله بالذات إلى هذه الرؤية عند فارس الخوري حين قال للفلسطينيين بالذات «بأن مفتاح الحلّ عندكم وليس عند سواكم، لا نستطيع أن نكون فلسطينيين أكثر منكم»ما يجدر ذكره وفهمه، بأنّ «تحريض» جبران باسيل وقبله موقف فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فاتحة وبداءة للذهاب بالفكر والقلب إلى قدسنا. فالحج فيها ليس إلى البيت، بل إلى رب البيت غير الممزّق بصراعات مذاهبنا وقوميّاتنا. فالله حيّ وواحد من القدس إلى دمشق إلى بغداد إلى بيروت إلى القاهرة إلى عمان إلى صنعاء إلى الكويت...والفكر يتجه حو القدس ليس في هذا الظرف بل في أيّة لحظة. القدس بداءة البدء لأنها تحمل بين حجارتها وفي كنيسة القيامة والمسجد الأقصى طاقة إلهية أزليّة وأبديّة جامعة لنا وموحدة إيانا بيت لحم والقدس بالنسبة للمسيحيين المشارقة بل المسيحية الكونيّة هي رحم انبثاثها وانبثاثهم بها بالتجسّد وفي حدث الصلب والموت والقيامة على أرضها، وبالنسبة للمسلمين إنها مدى الإسراء والمعراج، وهي المثال الراقي المعبّر عن الوحدة الإبراهيميّة المقدسيّة. والمثال الرديف لها، ذلك البعد الميثاقيّ اللبنانيّ الفريد والمثاليّ ليس في العالم العربيّ بل في العالم كلّه، والذي صمد بمنسوب مرتفع حينًا ومنخفض حينًا آخر على الرغم من الحرب، وقد اندلعت بسبب فلسطين، كمحاولة لإنهاء القضية الفلسطينيّة في لبنان وضرب المسيحيين بالفلسطينيين ومن ثمّ السوريين بغية ضرب المثال العربيّ المعبّر عنه بالجذر الإبراهيميّ المقدسيّ والمثال الميثاقيّ اللبنانيّ. فالصراعات المذهبيّة (بين السنّة والشيعة) والقوميّة (بين العرب والفرس) وبين العرب أنفسهم (السعوديّة سوريا العراق واليمن والبحرين وقطر ولبنان...) والطائفيّة بين (المسيحيين والمسلمين) التي أشار إليها وركّز فيها جبران باسيل في كلمته، أدّت إلى القرار الترامبيّ الأخير، صكوك التطبيع والاستسلام والكلام عن صفقة القرن، إيذان بإنهاء القضية الفلسطينيّة وضرب أسس المفاوضات بين العرب وإسرائيل وتهويد القدس.أهميّة خطاب جبران باسيل في اجتماع وزراء خارجية الدول العربيّة في القاهرة، أنّه أعاد لبنان إلى لحظة المبادرات الخلاّقة الذاهبة نحو قمّتها من خلال كلمة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في القمة الإسلامية الاستثنائيّة في اسطنبول، وأكّد أنّ المسيحيين المشارقة لصيقون حتى العظم في قدسهم وهي جزء من تكوينهم الروحيّ واندراجهم الفكري وامتدادهم السياسيّ وقائمة في إحساسهم الوجوديّ وانبساطهم الطقوسيّ. في كلمة باسيل وفي الأدبيات المسيحية بصورة عامّة لا انفصال بين القدس وبين المسيحيّة وشهادة المسيحيين. لقد أكّد باسيل أنّ لبنان بجوهره الميثاقيّ والقدس بتكوينها الإبراهيميّ صنوان. لقد تأكّد إبّان الحرب في سوريا وعليها بأنّ التسوية اللبنانيّة هي المثال الراقي للتسوية السوريّة بل هي رحمها، وتهويد القدس بهذه الصورة المعاكسة يقضي على جذرها التوحيديّ والوحدويّ، فأي معنى للتسويات المنطلقة في المشرق العربيّ إذا انعدم فيها هذا الجذر التكوينيّ-الروحيّ-البيولوجيّ.جبران باسيل رسم خريطة جديدة بل حديثة بمقوماتها الفكرية-السياسيّة للعرب بوجه القرار الصهيو-أميركيّ تقوم على:1-نبذ الخلافات العربيّة-العربيّة والذهاب نحو الحلوس إلى الطاولة بحسب ما أوصى رئيس الجمهورية في قمة عمان، والتأكيد على مصالحة كيانية نهائيّة. وقد أفهمهم على لسان بطريرك العرب الراحل وهو البطريرك إغناطيوس الرابع بأنّ الحرب لم تكن على نظام بل على وطن.2-التحرّر من الصراع العربيّ-الفارسيّ، وهو صراع غير مبرّر. خطاب باسيل في هذه النقطة أعادنا إلى حديث للرئيس الأميركيّ السابق باراك أوباما قال فيه للخليجيين، إيران ليست عدوتكم الجهل هو عدوّكم والجهل رحم لكلّ الأصوليات والحركات التكفيريّة التي عاثت فسادًا وقتلاً وتدميرًا في يئياتنا وبلداننا ولم تزرع سوى الموت العبثيّ.3-إنهاء الصراع المذهبيّ بين السنة والشيعة، وقد أدخل العالم العربيّ نحو تمزّق رهيب منذ سنة 2003 حتى الأمس القريب. فالله لا يمكن أن يبقى ممزّقًا في هكذا صراعات سواء كانت مذهبيّة أو طائفية بين المسيحيين والمسلمين.4-إعادة الاعتبار للدور العربيّ باعتماده المثال اللبنانيّ المتآزر مع الانتماء المشرقيّ والمتجانس مع «عروبة بيضاء» والتسمية للمطران جورج خضر. 5-التأكيد على أن القدس عاصمة فلسطين وليست عاصمة إسرائيل، وإعادة الاعتبار للتسوية التي نسفها من دون شكّ قرار دونالد ترامب.كلمة جبران باسيل فتح لبنانيّ جديد في المدى العربيّ. وبينه وبين كلمة السيد حسن نصرالله ومواقف رئيسي المجلس النيابي نبيه برّي والحكومة سعد الحريري، وكلمة رئيس الجمهورية المرتقبة في قمّة اسطنبول سيثبت لبنان قدرته الردعيّة المتأتيّة من هذا البعد الميثاقيّ المكنون فيه على تكوين حالة عربية وإسلامية متواجدة ومواجهة. وسيتمّ التأكيد بأن فلسطين ولبنان وسوريا بعد تحررها ركائز وأعمدة لروح عربية جديدة ستعصف تنبعث في أمّة نائمة بل متلاشية وممزقة ومترهلة تعيدها إلى الحياة وتسطع بالكرامة والشهادة والسيادة بوجه المتخاذلين والمطبِّعين والمتلاشين حتى الموت. Read more