newsare.net
تُدرك الصين -صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم- أن التحديات الاقتصادية لا تأتي منفردة، بل ترافقها تحولات جيواستراتيجية معقدة قد تعيد تشكيل مواالصين في مواجهة الضغوط الأميركية.. تحفيز اقتصادي وردع تجاري
تُدرك الصين -صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم- أن التحديات الاقتصادية لا تأتي منفردة، بل ترافقها تحولات جيواستراتيجية معقدة قد تعيد تشكيل موازين القوى العالمية. ومع اقتراب فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزيداً من الرسوم الجمركية، تُواجه بكين اختباراً جديداً لمرونتها الاقتصادية، لكنها لا تدخل هذا التحدي مكتوفة الأيدي، إذ تمتلك أدوات مالية وتجارية وتقنية تجعلها قادرة على امتصاص الصدمات وفرض توازنات جديدة في المعادلة الدولية. تاريخياً، يُنظر إلى الصين كلاعب اقتصادي صاحب قوة قادرة على التكيف مع الضغوط عبر إعادة صياغة أولوياتها الاقتصادية، من تعزيز الاستهلاك المحلي إلى توسيع نطاق الشراكات التجارية وتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية. ومع تصاعد المواجهة مع واشنطن، تستعد بكين للرد بسياسات نقدية أكثر مرونة، وإجراءات حمائية مضادة، واستثمارات ضخمة في التكنولوجيا، ما يجعلها أكثر استعداداً لمواجهة تداعيات التصعيد الأميركي دون أن تتخلى عن طموحاتها في قيادة الاقتصاد العالمي. وقبيل فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية أعلى على ثاني أكبر اقتصاد في العالم في أبريل المقبل، عبّرت الصين عن استعدادها لمواجهة أي «صدمات غير متوقعة»، وذلك بحسب رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، والذي قال في كلمة له أمام قادة الأعمال الأجانب المجتمعين في بكين قبيل أيام، إن حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار تتزايد، لكن بلاده تختار «المسار الصحيح» للعولمة والتعددية. وقال لي: «لقد أعددنا استعدادات للصدمات غير المتوقعة المحتملة، والتي تأتي بطبيعة الحال في المقام الأول من مصادر خارجية». وحث لي المشاركين في منتدى التنمية الصيني – في انتقاد مبطن لما تعتبره بكين حماية غربية-على أن يكونوا «مدافعين أقوياء» عن العولمة و«مقاومة الأحادية الجانب». الصين تكتسح العالم بمشاريع الطاقة المتجددة من المتوقع أن تفرض الولايات المتحدة رسوما إضافية على الواردات من الصين في الثاني من أبريل، عندما تكشف عن «التعرفات الجمركية المتبادلة» على دول في جميع أنحاء العالم. منذ توليه منصبه، فرض ترامب بالفعل رسوم جمركية بنسبة 20 بالمئة على البضائع القادمة من الصين، وهي الخطوة التي يقول البيت الأبيض إنها تهدف إلى الضغط على بكين لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات التي تصنع مكونات الفنتانيل، وهو مادة أفيونية صناعية قاتلة تسببت في وباء في الولايات المتحدة. تأتي النبرة التحذيرية من رئيس الوزراء الصيني في الوقت الذي تحاول فيه بكين تحسين معنويات المستهلكين والمستثمرين بينما تستعد في الوقت نفسه لاتخاذ تدابير انتقامية محتملة ضد التعريفات والعقوبات الأميركية المستقبلية، وفق تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية. ويشير التقرير إلى أنه في حين فوجئت إدارة شي بفوز ترامب في انتخابات عام 2016، أصبحت بكين الآن مدججة بمجموعة من التدابير المضادة المحتملة للضغوط الأميركية. وتشمل هذه التدابير تقييد وصول الولايات المتحدة إلى سلاسل توريد المعادن والموارد الاستراتيجية. وفي ظل الدعوات التي يطلقها خبراء الاقتصاد لبكين لكي تكون أكثر جرأة في معالجة تباطؤ النمو الاقتصادي، تتجه حكومة شي نحو المزيد من الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة والتصنيع، جزئيا لتقوية نفسها في بيئة جيوسياسية أكثر عدائية. أدوات الصين من جانبه، يقول مستشار المركز العربي للبحوث، أبو بكر الديب، لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية»: في السنوات العشر الأخيرة بشكل خاص شهدت الصين تطوراً اقتصادياً لافتاً ما جعلها تحتل مركز القيادة في الصادرات العالمية إلى كثير من بلدان العالم في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. هذا الأمر شكل تحدياً كبيراً لواشنطن ولدول الاتحاد الأوروبي التي فقدت مكانتها لصالح بكين. تسعى الولايات لاحتواء النفوذ الاقتصادي الصيني بينما تسعى بكين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) إلى فرض نفسها كقوة عظمى لا يمكن تجاوزها. صعود بكين كقوة اقتصادية وتكنولوجية كبرى خلال العقود الأخيرة أعاد رسم موازين القوى ليضع العالم أمام نموذجين متنافسين، لذا تحاول واشنطن اشتعال المعركة مع الصين في ساحات الرقائق الإلكترونية والتجارة عبر الرسوم الجمركية الحمائية. ويوضح أنه لدى الصين العديد من أوراق القوة وعوامل الضغط التي يُمكن أن تردع بها ترامب أو على الأقل تجعله يتردد في المضي قدماً ببعض الإجراءات، فالفائض التجاري للصين وصل لنحو تريليون دولار في 2024 ولديها أسرع أسواق التصدير نموا هي بلدان الجنوب العالمي.. ويضيف: منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة، استعدت الصين جيداً للعواصف القادمة من واشنطن، فقد توقعت الحكومة الصينيةأن تتبنى إدارة ترامب سياسات قصوى ضدها ما قد يؤدي إلى تصعيد الحروب التجارية والتكنولوجية بينهما وأعلنت بكين عن فرض تعريفات جمركية على بعض السلع الأميركية فضلا عن القيود المفروضة على صادرات المعادن الحيوية والتحقيق في قضية مكافحة الاحتكار في شركة غوغل التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها. عرفت حكومة بكين تكتيكات الحرب التجارية مع واشنطن منذ ولاية ترامب الأولى. بالتالي الآن لدى الصين خيارات كثيرة للرد المباشر على التعريفات الجمركية مثل ضوابط التصدير والعقوبات على الشركات الأميركية وانخفاض قيمة العملة الصينية والرسوم الانتقامية على الصادرات الأميركية إلى الصين. تركز خطة بكين لتجاوز سنوات ترامب على جعل الاقتصاد المحلي أكثر مرونة والمصالحة مع الجيران الرئيسيين وتعميق العلاقات في الجنوب العالمي واتخاذ تدابير تحفيزية لتعزيز الاقتصاد وزيادة الاستهلاك المحلي واتباع سياسات مالية أكثر نشاطا وسياسات نقدية معتدلة. هذا يعني المزيد من الإنفاق الحكومي والتوسع في الميزانية وخفض أسعار الفائدة في تحول عن سياسات التقشف القائمة منذ 2010 وفتح فرصا جديدة للتجارة الدولية وتنويع خياراتها التجارية. وتسعى الصين لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5 بالمئة خلال العام الجاري وهو أحد الأهداف الإنمائية الرئيسية التي طرحها تقرير عمل الحكومة الصينية حيث أوضح مدير مكتب أبحاث مجلس الدولة، شن دان يانغ، أن هذا الهدف تم تحديده بعد دراسة معمّقة تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المحلية والدولية والعوامل المؤثرة المختلفة مع مراعاة الاحتياجات الوطنية والإمكانات الاقتصادية. تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين 130 تريليون يوان خلال عام 2024 ما يعني مساهمة الصين بنسبة تقارب 30 بالمئة في النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات الأخيرة ما جعلها محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي، وهي تمتلك سوقاً ضخمة ونظاماً صناعياً متكاملاً إلى جانب موارد بشرية وفيرة مما يمنحها قدرة كبيرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية المعقدة. رؤية ترامب.. هل تخدم الصين؟ في سياق متصل، ينبه تقرير لمجة thediplomat إلى أن انسحاب ترامب من العالم يعمل بشكل غير مقصود على تمكين بكين، مما يسمح لها بتوسيع نفوذها بشكل أكبر داخل المؤسسات القائمة وفي الوقت نفسه تعزيز رؤيتها البديلة للتعددية في ظل نظام دولي ضعيف على نحو متزايد. ووفق التقرير، فإنه في فترة ولاية ترامب الثانية التي تكشف عن كونها أكثر عدوانية من فترتها الأولى، فإن القوة الناعمة الأميركية قد تشهد تراجعا لا رجعة فيه، مما يترك بعض المساحة لانتعاش القوة الناعمة الصينية. أدى التفكيك المفاجئ للوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى توقف المشاريع الإنسانية الأساسية، ومبادرات الرعاية الصحية، وحملات التطعيم، والبرامج التعليمية، مما ألحق ضرراً مباشراً بالفئات السكانية الضعيفة في جميع أنحاء العالم. يتيح هذا الفراغ لبكين فرصةً مهمةً لتوسيع نفوذها من خلال دبلوماسية الصحة العالمية، وخاصةً في دول الجنوب وأفريقيا . رسخت الصين مكانتها بشكل متزايد كشريك صحي موثوق، حيث قدمت المساعدات الطبية واللقاحات والبنية التحتية للرعاية الصحية للدول النامية. وفي أفريقيا، أدى توفير الصين الواسع للإمدادات الطبية، وتدريب العاملين الصحيين المحليين ، ونشر الفرق الطبية، إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية لبكين وتعزيز صورتها كحليف عملي وموثوق. مواجهة الصدمات الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول لموقع «اقتصاد سكاي نيوز عربية» إنه مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وخاصة مع فرض إدارة ترامب مزيداً من الرسوم الجمركية، فإن بكين تبدي استعداداً لمواجهة أي صدمات غير المتوقعة، مشيراً إلى الأدوات التي تمتلكها فعلياً، على النحو التالي: سياسات نقدية ومالية مرنة: يمتلك بنك الصين المركزي قدرة واسعة على خفض أسعار الفائدة وضخ السيولة للحفاظ على استقرار الأسواق. كما أن الحكومة تستطيع استخدام الحوافز الضريبية والإنفاق الحكومي لدعم النمو الاقتصادي. تعزيز الاستهلاك المحلي: تسعى الصين إلى تقليل اعتمادها على الصادرات من خلال تعزيز السوق الداخلية، عبر برامج دعم الاستهلاك، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم، مما يقلل تأثير أي صدمة خارجية. تنويع الشركاء التجاريين: لم تعد الصين تعتمد بشكل أساسي على السوق الأميركية، إذ وسعت شراكاتها التجارية مع أوروبا، روسيا، ودول جنوب شرق آسيا، وعززت تجارتها عبر اتفاقيات مثل «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة». الاعتماد على التكنولوجيا والابتكار: تستثمر الصين بشكل ضخم في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، مما يقلل اعتمادها على التقنيات الأميركية. ومن المتوقع أن تسرّع من مشاريع «الاكتفاء الذاتي التكنولوجي» في مواجهة الضغوط الأميركية. ويشير إلى أن بكين تمتلك احتياطي نقد أجنبي ضخم (يفوق 3 تريليونات دولار)، مما يمنحها قدرة على الدفاع عن عملتها واستقرار اقتصادها في مواجهة التقلبات العالمية. كما أن تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية يقلل من مخاطر العقوبات المالية الأميركية. Read more